-->
U3F1ZWV6ZTIwMzU0OTUwNTI2X0FjdGl2YXRpb24yMzA1OTM1MDc0NTc=
recent
احدث العروض

الإسراء والمعراج ورحلة رسول الله في السماوات السبع و سدرة المنتهي

 الإسراء والمعراج 


الإسراء والمعراج ورحلة رسول الله في السماوات السبع و سدرة المنتهي



قال سبحانه وتعالى (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) الاسراء(1)
في الوقت الذي بدأ فيه النبي ﷺ نشر الدعوة إلى دين الإسلام، وترك عبادة الأوثان، وإخلاص العبادة لله وحده لا شريك له، تصدى صناديدُ قريشٍ لهذه الدعوة المباركة، وحاولوا جاهدين أن يقضوا على هذه الدعوة في مهدها فاتهموا النبي ﷺ بالجنون تارة وبالسحر تارة أخرى، وضيقوا الخناق عليه وعلى أصحابه رضي الله تعالى عنهم، وأكثروا من إيذائهم، حتى اضطر بعض الصحابة للهجرة إلى الحبشة بأمر من النبي ﷺ، والبعض الآخر نال من العذاب والإيذاء ما تلين به الجبال، وما زادهم ذلك غير تمسكًا بدينهم واتباعًا لنبيهم ﷺ، حتى وصل الأمر بمشركي قريش بإعلان مقاطعة النبي صلوات ربي وسلامه عليه وأتباعه ومن يناصره من قرابته من بني هاشم، وحاصروهم في شعب أبي طالب لمدة ثلاث سنوات، وبعد تحرك ذوي المروءة من قريش انتهت هذه المقاطعة والحصار، ولكن ما هي إلا فترة وجيزة وتوفي عمه أبو طالب أكبر المدافعين عنه، ولحقته زوجة النبي ﷺ السيدة خديجة رضي الله عنها، ليفقد دعامتيه الأساسيتين في قريش.


وبعد أن ضاقت مكة بالنبي ﷺ خرج إلى الطائف يلتمس فيها بيئة خصبة لرسالته وأنصارًا لدعوته، ولكن لم يجد منهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم سوى السفه والتكذيب والإيذاء، وتسليط العبيد والصبيان فرموا النبي ﷺ بالأحجار حتى سال الدم من قدمه الشريف ، فجلس إلى حائط بستان يشكوا إلى الله عز وجل ضعفه ويسأله نصرته قائلًا: «اللَّهُمَّ إِلَيْكَ أَشْكُو ضَعْفَ قُوَّتِي، وَقِلَّةَ حِيلَتِي، وَهَوَانِي عَلَى النَّاسِ، أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، أَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، إِلَى مَنْ تَكِلُنِي، إِلَى عَدُوٍّ يَتَجَهَّمُنِي أَوْ إِلَى قَرِيبٍ مَلَّكْتَهُ أَمْرِي، إِنْ لَمْ تَكُنْ غَضْبَانَ عَلَيَّ فَلَا أُبَالِي، غَيْرَ أَنَّ عَافِيَتَكَ أَوْسَعُ لِي، أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِكَ الَّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الظُّلُمَاتُ، وَصَلَحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، أَنْ تُنْزِلَ بِي غَضَبَكَ أَوْ تُحِلَّ عَلَيَّ سَخَطَكَ، لَكَ الْعُتْبَى حَتَّى تَرْضَى، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِكَ» رواه الطبراني.
ولم يستطع النبي ﷺ الدخول إلى مكة إلا وهو في جوار مطعم بن عدي وكان رجلًا مشركًا.
فلما ضاقت مكة ونواحيها بالنبي ﷺ وبدعوته، دعاه ربه تبارك وتعالى إلى رحلة عظيمة إلى السماوات العُلا؛ اظهارًا لمكانته العلية ، فمَرَّت هذه الرحلة بثلاث مراحل؛ مرحلة الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى المبارك، ومرحلة المعراج إلى السماوات العلا، ومرحلة القُرْبِ بعد سدرة المنتهى حيث لا زمان ومكان.
وفي هذه الرحلة المباركة تجلى الله على نبيه بتجلي الاصطفاء، وفرض عليه فريضة الصلاة خمسة في العمل وخمسون في الجزاء، وكان الأمر بها دون واسطة أو حجاب، واشتملت الصلاة على ثلاث هيئات؛ هيئة القيام وهي مناسبة للإسراء، وهيئة الركوع وهي مناسبة للمعراج، وهيئة السجود وهو أقرب ما يكون فيه العبد من ربه، كما كان النبي ﷺ في الأمر بالصلاة أقرب إلى الله اصطفاءً وتجليًا في هذه الرحلة المباركة.





وبدأت هذه الرحلة العظيمة من المسجد الحرام؛ فبينما النبي ﷺ نائم في بيت أم هانئ رضي الله عنها بجوار سيدنا حمزة وسيدنا جعفر رضي الله عنهما ففرج سقف البيت فإذ بسيدنا جبريل عليه السلام، -وكان انفراجُ سقف البيت إشارة إلى ما سيقع من شق صدره وأنه سَيَلْتَئِم بغير معالجة- فأخذ سيدنا جبريل عليه السلام النبيَّ ﷺ إلى المسجد الحرام، وهناك حدث شَقُّ الصدر الشريف؛ فَشَقَّه سيدنا جبريل عليه السلام من الثُغْرَةِ -وهي الموضِع المنخفض الذي بين التَّرْقُوَتَيْنِ- إلى أسفل البطن، وكان شقُّ الصَّدْرِ عند إرادة العروج إلى السماء لِلتأهّب لمناجاة الملك عز وجل، فأخرج قلبه وغسله من ماء زمزم، وجاءه بِطَسْتٍ من ذهب مملوءً إيمانًا وحكمة فحشى قلبَه إيمانًا وحكمة، -وكان الطست من الذهب؛ لكَوْنِهِ أعلى أنواع الأواني الحسية وأصفاها، ولأن فيه خواص ليست لغيرهِ، ويظهر لها هنا مناسبات، منها: أنه من أواني الجنة، أنه لا تأكله النار ولا التراب، ولا يلحقه الصدأُ، وأنه أثقل الجواهر فناسب ثقل الوحيِ، ولفظ الذهب ناسب إذهاب الرجس عنه ﷺ، ولكونه وقع عند الذَّهَابِ إلى ربِه ﷻ-.
ثم أُتِيَ بالْبُرَاق -وهو دابة دون البغل وفوق الحمار أبيض يضع رجله عند مُنْتَهَى ما يرى بَصَره-، فركب النبي ﷺ فكان الذي أمسك بركابه سيدنا جبريل عليه السلام وبِزِمَام الْبُرَاقِ سيدنا مِيكَائِيلُ عليه السلام، وفي روايةٍ أُتِيَ بِالبراق مُسَرَّجًا مُلَجَّمًا فَاسْتَصْعَبَ على النبي ﷺ، فقال له سيدنا جبريل عليه السلام: ما حملك على هذا فوالله ما ركبك خَلْقٌ قَطُّ أكرم على الله منه، فَارْفَضَّ البراق عرقًا.
ثم انْطَلَقَ النبي ﷺ مع سيدنا جبريل عليه السلام نحو بيت المقدس، فمرَّا بسيدنا موسى عليه السلام وهو قائم يصلي في قبره عند الكثيب الأحمر –مكان بفلسطين قريب من المسجد الأقصى-.
وصلى النبي ﷺ وهو في طريقه إلى المسجد الأقصى في المدينة وفي الطور –طور سيناء- وفي بيت لحم.
وفي طريقه إلى بيت المقدس وجد النبي ﷺ ريحًا طيبة فقال: «يا جبريل ما هذه الرائحة الطيبة؟» فقال سيدنا جبريل عليه السلام: هذه رائحة ماشطة بنت فرعون.
وأتى النبي ﷺ على قوم يزرعون في يوم ويحصدون في يوم، كلما حصدوا عاد كما كان، فقال: «يا جبريل، من هؤلاء؟»، فقال عليه السلام: هؤلاء المجاهدون في سبيل الله تضاعف لهم الحسنة بسبعمائة ضعف، وما أنفقوا من شيء فهو يخلفه.
وأتى ﷺ على قوم ترضخ –تكسر- رءوسهم بالصخر، فلما رضخت عادت كما كانت، فقال: «يا جبريل، من هؤلاء؟»، فقال عليه السلام: هؤلاء الذين تثاقلت رءوسهم عن الصلاة.
وأتى ﷺ على قوم على أدبارهم رقاع، وعلى أقبالهم رقاع، يسرحون –يأكلون- كما تسرح الأنعام إلى الضريع –الشوك اليابس- والزقوم ورضف جهنم، فقال ﷺ: «ما هؤلاء يا جبريل؟»، فقال عليه السلام: هؤلاء الذين لا يؤدون صدقات أموالهم.
وأتى ﷺ على قوم بين أيديهم لحم في قدر نضيج ولحم آخر نيء خبيث، فجعلوا يأكلون الخبيث ويدعون النضيج الطيب، فقال ﷺ: «يا جبريل، من هؤلاء؟»، فقال عليه السلام: هذا الرجل من أمتك يقوم من عند امرأته حلالًا، فيأتي المرأة الخبيثة، فيبيت معها حتى يصبح، والمرأة تقوم من عند زوجها حلالًا طيبًا، فتأتي الرجل الخبيث، فتبيت عنده حتى تصبح.
؛ وأتى ﷺ  على رجل قد جمع حزمة عظيمة لا يستطيع حملها، وهو يريد أن يزيد عليها، فقال ﷺ: «يا جبريل ما هذا؟»، فقال عليه السلام: هذا الرجل من أمتك عليه أمانة الناس لا يستطيع أداءها وهو يزيد عليها.
ولما وصلا إلى بيت المقدس ربط النبي ﷺ  البراق بالحلقة التي يربط بها الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
ثم دخل النبي ﷺ  المسجد الأقصى فصلَّى فيه ركعتين ثم خرج، فجاءه سيدنا جبريل عليه السلام بإناء من خمر وإناء من لبن، فقال له: "اشرب أيهما شئت"، فاختار النبي ﷺ  اللبن وشربه، فقال له سيدنا جبريل عليه السلام: "الحمد لله الذي هداك للفطرة، لو أخذت الخمر غوت أمتك" أي: ضلت.
وفي هذه الرحلة المباركة صلى النبي ﷺ  إمامًا بجماعة من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وفي هذا بيان لسمو قدره وعلو منزلته ﷺ، فلما انتهت الصلاة نُودِيَّ النبي ﷺ : "يا محمد هذا مالك صاحب النار فَسَلِّمْ عليه"، فالتفت إليه النبي ﷺ فبادره مالك عليه السلام بالسلام.
ثُمَّ جِيَء بالمعراج، فأَخَذ سيدنا جبريل عليه السلام بِيَدِ المصطفى ﷺ فَعَرَجَ به حتى أتى السماء الدنيا، فلما انتهى إليها قال لخازنها: "افتح".
فقال له: من هذا؟
قال: هذا جبريل.
قال: معك أحد؟
قال: معي محمد.
قال: أُرْسِلَ إليه؟
قال: نعم، فافتح.
قال: مرحبًا به وأهلًا، فنعم المجيء جاء.
وكان كلما صعدا إلى سماء من السموات يحدث مثل ذلك، ويستبشر أهل السماء بالنبي ﷺ، -وفي سؤال الملائكة: أُرْسِل إليه؟ دليل على أن النبي ﷺ  كان معروفًا في الملأ الأعلى، وإلا كان سؤالهم: من محمد؟
وفي السماء الدنيا اجتمع النبي ﷺ  بسيدنا آدم عليه السلام؛ إذ وجد رجلًا عن يمينه أسودة -أشخاص- وعن يساره أسودة، إذا نظر قبل يمينه تبسم، وإذا نظر قبل يساره بكى.
فقال النبي ﷺ: «من هذا يا جبريل؟».
قال سيدنا جبريل عليه السلام: هذا أبوك آدم، وهذه نِسَمُ بَنِيهِ -أرواح ذريته-، فأهل اليمين منهم أهل الجنة، والأسودة التي على شماله أهل النار، فإذا نظر عن يمينه ضحك، وإذا نظر عن شماله بكى، فسلِّم عليه.
فسلم عليه النبي ﷺ ، فرد عليه السلام، ثم قال: مرحبًا بالابن الصالح والنبي الصالح.
وفي السماء الدنيا رأى النبي ﷺ نهرين يجريان، فقال لسيدنا جبريل على نبينا وعليه أفضل الصلاة وأتم التسليم: «ما هذان النهران يا جبريل؟».
قال سيدنا جبريل عليه السلام: هذا النيل والفرات.
وفي السماء الثانية التقى النبي ﷺ  بسيدنا عيسى ابن مريم وسيدنا يحيى بن زكريا عليهم السلام، وفي الثالثة بسيدنا يوسف عليه السلام، وفي الرابعة بسيدنا إدريس عليه السلام، وفي الخامسة بسيدنا هارون عليه السلام، وفي السادسة بسيدنا موسى عليه السلام، وفي السابعة بسيدنا إبراهيم عليه السلام، وكان مسندًا ظهره إلى البيت المعمور.
فقال النبي ﷺ: «من هذا؟».
فقال سيدنا جبريل عليه السلام: هذا أبوك إبراهيم، فَسَلِّمْ عليه.
فسلم عليه ، فرد الخليل عليه السلام، وقال: مرحبًا بالابن الصالح والنبي الصالح، وقال له: يا بُنَيَّ إنك لَاقٍ ربك الليلة وإِنَّ أُمَّتك آخرُ الأمم وأضعَفُها فإن استطعت أن تكون حاجتك أو جُلَّهَا في أُمَّتك فافعل.
ثُمَّ انطلق سيدنا جبريل عليه السلام بالنبي ﷺ على ظهر السماء السابعة حتَّى انتهى إلى نَهْرٍ عليه خيام اللُّؤْلُؤِ وَالْيَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَدِ وعليه طير خضر، فقال سيدنا جبريل عليه السلام: هذا الكوثر الذي أعطاك الله، فإذا فيه آنية الذهب والفضة يجري على رَضْرَاضٍ من الْيَاقُوتِ وَالزُّمُرُّدِ ماؤه أَشَدُّ بياضًا من اللبن، فأخَذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم من آنيته فاغْتَرَف من ذلك الماء فشرب فإذا هو أحلى من العسل وأَشَدُّ رائحة من المسك.
ورأى النبي ﷺ  هناك أقوامًا بيض الوجوه وأقوامًا في ألوانهم شيء فدخلوا نهرًا فاغتسلوا فخرجوا وقد خَلَصَت ألوانهم، فقال له سيدنا جبريل عليه السلام: هؤلاء من أُمَّتك خلطوا عملًا صالحًا وآخر سيئًا.
ومرّ النبي ﷺ  بأقوام لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم، فقال: «من هؤلاء يا جبريل؟».
فقال سيدنا جبريل عليه السلام: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس -يغتابون الناس- ويقعون في أعراضهم.
ومرّ على قوم تُقرَضُ شفاههم بمقاريض –جمع مقراض وهو المقص- كلما قرضت وَفَتْ –عادت إلى هيئتها-.
فقال النبي ﷺ: «من هؤلاء يا جبريل؟».
فقال عليه السلام: هؤلاء خطباء أمتك الذين يقولون ما لا يفعلون، ويقرؤن كتاب الله ولا يعملون به.
والحكمة في الاقتصار على هؤلاء المذكورين للإشارة إلى ما سيقع له مع قومه من نظير ما وقع لكل منهم، فأَمَّا سيدنا آدم فوقع التنبيه بما وقع له من الخروج من الجنة إلى الأرض بما سيقع للنبي من الهجرة إلى المدينة والجامع بينهما ما حصل لكل منهما من المشقة وكراهة فراق ما ألفه من الوطن ثم كان مآل كل منهما أن يرجع إلى موطنه الذي أخرج منه.
وأمّا سيدنا عيسى وسيدنا يحيى عليهما السلام، ففيه إشارة لما وقع من أول الهجرة من عداوة اليهود وتماديهم على البغي عليه  وإرادتهم وصول السوء إليه.
وأمّأ لقائه سيدنا يوسف عليه السلام، فإشارة لما وقع له  من أخوته من قريش في نصبهم الحرب له  وإرادتهم هلاكه، وإن كانت العقبى له  وقد أشار صلى الله عليه وآله وسلم إلى ذلك بقوله لقريش يوم الفتح: «أَقُول كَمَا قَالَ يُوسُف لا تثريب عليكم».
وأمّا لقاء سيدنا إدريس عليه السلام، فدليل على رفيع منزلته  عند الله.
وبسيدنا هارون عليه السلام على أن قومه رجعوا إلى محبته بعد أن آذوه، وبسيدنا موسى عليه السلام على ما وقع له من معالجة قومه، وبسيدنا إبراهيم عليه السلام في استناده إلى البيت المعمور بما ختم له صلى الله عليه وآله وسلم في آخر عمره من إقامة منسك الحج وتعظيم البيت.
والحكمة في كون سيدنا آدم عليه السلام في السماء الدنيا؛ لأنه أول الأنبياء وأول الآباء وهو أصل فكان أولًا في الأولى ولأجل تأنيس النبوة بالأبوة، وسيدنا عيسى عليه السلام في الثانية؛ لأنه أقرب الأنبياء عهدًا من سيدنا محمد ﷺ، ويليه سيدنا يوسف عليه السلام لأن أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم تدخل الجنة على صورته عليه السلام، وسيدنا إدريس عليه السلام في الرابعة؛ لقوله تعالى: ﴿وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا﴾ والرابعة من السبع وسط معتدل، وسيدنا هارون عليه السلام؛ لقربه من أخيه سيدنا موسى عليه السلام، وسيدنا موسى عليه السلام أرفع منه لفضل كلام الله، وسيدنا إبراهيم عليه السلام؛ لأنه الأب الأخير فناسب أن يتجدد للنبي ﷺ بلقيه أُنسٌ؛ لتوجهه بعده إلى عالم آخر، وأيضًا فمنزلة الخليل تقتضي أن تكون أرفع المنازل ومنزلة الحبيب أرفع من منزلته، فلذلك ارتفع النبي ﷺ عن منزلة سيدنا إبراهيم عليه السلام إلى قاب قوسين أو أدنى.
وبعد لقاء الأنبياء رُفِع  إلى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، وإذا ورقها كآذان الفيلة، وثمرها كأنه قلال هجر –ميزان لأهل هجر-، يخرج من ساقها أربعة أنهار؛ نهران ظاهران –هما النيل والفرات- ونهران باطنان –هما نهران في الجنة-، وسميت سدرة المنتهى؛ لأن علم الملائكة ينتهي إليها ولم يجاوزها أحد إلا رسول الله ﷺ.
واخْتِيرَتِ السدرةُ دون غيرها لأن فيها ثلاثة أوصاف: ظل ممدود، وطعام لذيذ، ورائحة زكية، فكانت بمنزلة الإيمان الذي يجمع القول والعمل والنية، والظل بمنزلة العمل، والطعم بمنزلة النية، والرائحة بمنزلة القول.
فلمَّا غشيها من أمر الله  ما غشيها تحولت ياقوتًا وزمردًا وغشيها ألوان لا يستطيع أحد من خلْق الله  أن ينعتها من حسنها، فَغَشِي النبي ﷺ من كل سحابة فيها من كل لون، فتأخر سيدنا جبريل عليه السلام، وخَرَّ النبي ﷺ للجبار عز وجل ساجدًا، وتدلّى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى، فتجلى الله على نبيه بالوحي دون واسطة؛ فخاطب الجبار ﷻ رسوله ﷺ قائلًا: [إنِّي يوم خلقت السماوات والأرض فرضت عليك وعلى أُمَّتك خمسين صلاة فَقُمْ بها أنت وأُمَّتك].
والحكمة في تخصيص فرض الصلاة بليلة الإسراء أنه ﷺ لما عرج به رأى في تلك الليلة تعبد الملائكة، وأن منهم القائم فلا يقعد، والراكع فلا يسجد، والساجد فلا يقعد، فجمع الله له ﷺ ولأمَّته تلك العبادات كلها في كل ركعة يصليها العبد بشرائطها من الطمأنينة والإخلاص.
وأُعْطِيَ ﷺ الصلوات الخمس، وخواتم سورة البقرة، وغفر لمن لم يشرك بالله من أُمَّتِه الكبائر، ثُمَّ انْجَلَت السحابة عنه ﷺ وأخذ بيده سيدنا جبريل عليه السلام فانصرفا سريعًا.
فلما مَرا على سيدنا موسى عليه السلام قال: يا محمد ماذا فرض ربك على أمتك؟
قال ﷺ: «فرض عليهم خمسين صلاة كل يوم وليلة».
قال سيدنا موسى عليه السلام: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف؛ فإن أمتك لا يطيقون ذلك، فإني قد بَلَوتُ بني إسرائيل وخَبَرْتُهم.
فالتفت الرسول ﷺ إلى سيدنا جبريل عليه السلام؛ كأنه يستشيره، فأشار إليه: أن نعم إن شئت.
فعلا به إلى العليِّ ، فقال له وهو في مكانه: «يا رب، خفف عنَّا فإن أمتي لا تستطيع هذا».
فوضع الله عز وجل شطرها، فرجع المصطفى ﷺ إلى سيدنا موسى عليه السلام فقال له: «وضع شطرها».
فقال سيدنا موسى عليه السلام: ارجع إلى ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك.
واستمر النبي ﷺ في مراجعة الله عز وجل حتى قال الله تعالى له: [يا محمد إنه لا يبدل القول لَدَيَّ؛ كما فرضته عليك في أم الكتاب إني قد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي، وأجزي الحسنة عشرًا، إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة لكل صلاة عشرٌ، فهي خمسون في أم الكتاب وهي خمس عليك، ومن همَّ بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة، فإن عملها كتبت له عشرًا، ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب شيئًا، فإن عملها كتبت سيئة واحدة].
فنزل النبي ﷺ حتى انتهى إلى سيدنا موسى عليه السلام، فقال: كيف فعلت؟
قال: «خفف الله عَنَّا أعطانا بكل حسنة عشر أمثالها».
فقال سيدنا موسى عليه السلام: قد والله رَاوَدْتُ بني إسرائيل على أدنى من ذلك فتركوه فارجع، إلى ربك فاسأله التخفيف.
فقال المصطفى ﷺ: «يا موسى، قد والله استحييت من ربي ممَّا اختلفت عليه».
فقال سيدنا موسى عليه السلام: فاهبط باسم الله.
فهبط النبي ﷺ فإذا هو بالمسجد الحرام، وقد أفاق مما كان فيه من شغل البال بمشاهدة الملكوت ورجع إلى العالم الدنيوي.

                                                   المراجع. ..
                              . دار الافتاء المصرية        
. قناة الشيخ نبيل العوضي
. قناة الشيخ الشعراوي     
الاسمبريد إلكترونيرسالة